لا تقتلوا اللوتس
حتى نرى الشمس علينا إن نزاول برؤوسنا من بين جدرانها , وحتى نتلمس الدروب لأحلامنا علينا إن نواجه المخرز بأكفنا ألصغيرة , وحتى نتمكن من تدوين حكاية الموت فينا علينا عبور الزمن لطالما تجاهلنا.
العاشرة صباحاً أعلنت الساعة عن نفسها وهو يجلس قبالتهم بعد إن أرهقهم بإرهاقه المتكلس في عظامه ووجهه الشاحب المكسو بلحيته المبعثرة في أنحاء وجهه بلا ترتيب , ها هو اليوم الرابع الذي لم تغفو فيه عينه سوى ثوان يسرقها منهم عند انشغالهم بتغيير الوردية (شفت) , آيات الله يشعر بها في أرجاء غرفة التحقيق , كرسي حديدي فقد خواصه يحتضنه كالطفل بين ذراعي أمه , قيد يجمع يديه معلناً في اتحادنا قوة , أقدامه تتباهى بزردات السلاسل كالخلخال ترتديه غجرية العينين والكفين حافية القدمين ترقص لهطول المطر.
يعيش في عالمه الافتراضي الخاص ومن حوله عالمهم الموحش صراخ , قهر, أهانه , قله للنوم وصور لا تخلو منها مشاهد للضرب , لن تستطيعوا الدخول إلى صدره لن تستطيعوا الوصول إلى عقله , لن تصلوا إلى ذلك الكنز المفقود في حشايا روحه حتى على الكلام اجبروه إن استطعتم.
قرروا له الموت , منعوه الأكل إلا من قليل ليبقى على عينيه مفتوحتين ,يرفض أن يجعل لهم السلطة حتى على طعامه أراد لنفسه الحرية وهو مقيد اليدين والقدمين ومعصوب العينين.
الساعات تمضي قاتلةً عقارب الساعة تحاذر سمها الكامن , بدأ الجوع يداعب جدار معدته منذراً من الاقتراب إلى حافة النهاية , تتدفق في شرايينه ارتال التعب وجسده الشاحب كان يتلمس طريقه بين الصرخات وقد أنهكه الإعياء يقتلع قدميه من دنياهم بصعوبة.
بدأ يتنفس بانتظام في شحوب لا نهائي البياض ونور عينيه يبدأ في المغيب محلقاً في حلم يعمه السلام والسكينة أنفاسه المتدفقة تزاحم الكلمة انتظر...انتظر...انتظر "هيا خلص نفسك" " أنقذ نفسك من الذي أنت فيه" سوف يتكلم ها هو" "يريد الحديث" "يريد الحديث" بصمت يلف المكان وترقب ملك الجميع , يستجمع بقايا الحياة في فمه و مرارة الأيام ليبصق في وجه المحقق ويسترسل عبر شظايا الضوء الهارب عبر النافذة لتقود خطاه خارج المكان غارساً قامته في بحر العتمة.....
الأسير غسان شطاوي